حوالى نصف مليون برماوي يقطنون بمكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة ويصل عدد الذين يحملون الجنسية السعودية منهم إلى الفي شخص بعضهم أساتذة جامعات ورجال أعمال وموظفون بالقطاعين الحكومي والأهلي .
اللافت أن البرماويين الذين يتميزون بسحناتهم الآسيوية يعيشون في أحياء معينة بالعاصمة المقدسة دون اختلاط مع الآخرين إلى درجة أن من يدخل إلى احيائهم للوهلة الأولى قد يساوره الاعتقاد بأنه في حي آسيوي .
حرصنا في هذه الحلقات التي ستتوالى خلال الأيام القادمة على التغلغل في مجتمعاتهم للوقوف على هويتهم وعاداتهم وتقاليدهم والسر وراء انعزالهم .
بدأت هجرة البرماويين إلى أرض الحرمين الشريفين في أواخر الستينات بالقرن الهجري الماضي بعد أن تعرضوا لمضايقات في بلادهم " مملكة اركان " التي احتلتها بورما البوذية لتصبح اقليماً من اقاليمها تحده من الشمال الصين ومن الجنوب خليج البنغال وتايلاند ومن الشرق لاوس ومن الغرب بنغلاديش
السبب الرئيسي للمضايقات التي تعرض لها البرماويون كان اعتناقهم الدين الاسلامي الذي وصل إلى مملكة اركان عن طريق التجار العرب إبان عهد الخليفة هارون الرشيد في القرن الثاني الهجري حيث اقيمت في البداية هناك سلطات اسلامية متعددة في الفترة ما بين 1192 و 1429م ثم أقام السلطان سليمان شاه مملكة اسلامية بأركان في عام 1430م واستمرت قرابة ثلاثة قرون ونصف قرن .. وتعاقب عليها 48 ملكاً مسلماً آخرهم الملك سليم شاه وكانوا يكتبون على عملاتهم شهادة لا إله إلا الله واسماء الخلفاء الراشدين الاربعة باللغة العربية لكن الملك البوذي بودا بايه احتل اركان في عام 1784م وضمها إلى بورما خشية من انتشار الاسلام في المنطقة وكان عدد سكان اركان حينذاك 6 ملايين نسمة 70% منهم مسلمون.
معاناة البرماويين بدأت مع احتلال بورما لبلادهم حيث طمست هويتهم وآثارهم الاسلامية ودمرت مساجدهم ومدارسهم لتشيد في اماكنها معابد بوذية .
كما قتلت العلماء والدعاة وشنت حملة تطهير عرقي للمسلمين بكل أنواع الاضطهاد من قتل وتشريد وانتهاك للأعراض ومصادرة للممتلكات والأموال والغاء لحقهم في المواطنة باستبدال اثباتاتهم الرسمية القديمة ببطاقات تفيد بأنهم ليسوا مواطنين. ومن يقاوم منهم تلك الاجراءات يكون مصيره التعذيب والموت في المعتقلات اذا لم يختر الهجرة إلى خارج البلاد.
وكذلك حرمت بورما البوذية البرماويين المسلمين من العمل بالوظائف الحكومية واستكمال التعليم العالي ضمن محاولات مستميتة لبورمنة الثقافة الاسلامية وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي قسراً إضافة إلى العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات وبناء الثكنات العسكرية أو شق الطرق أو غيرها من الاعمال دون مقابل .وكانت السلطات البوذية تسعى في ذلك الحين بشتى الوسائل والسبل لتقليل أعداد المسلمين بما في ذلك اعطاء النساء المسلمات حقناً مانعة للحمل ورفع سن زواجهن إلى 22 سنة مع اشتراط اجراء عقود الانكحة في مخافر الشرطة ومنع تعدد الزواج للمطلقة والارملة الا بعد عام من الطلاق او وفاة الزوج.
وازاء ذلك الوضع المزري لم يجد المسلمون البرماويون بداً من النزوح من بلادهم مهاجرين ليطرقوا ابواب الدول المجاورة كباكستان الشرقية " بنغلاديش حالياً" وباكستان الغربية وماليزيا وتايلاند والهند وبعض دول الخليج ومن ثم بدأت قصة هجرتهم لبلاد الحرمين الشريفين حيث كانت الحكومة السعودية تمنحهم اقامات بهوية " مجاور للعبادة".
ووصلوا إلى المملكة على اربع دفعات رئيسية .. الدفعة الأولى وصلت في عهد الملك عبدالعزيز " طيب الله ثراه" مابين عامي 1368 و 1370هـ وحصل افرادها على اقامات " مجاور للبيت"، والدفعة الثانية وصلت إلى المملكة مابين عامي 1370 ـ 1380هـ بعد مسيرة عام كامل مشياً على الاقدام وغالبية أفراد هذه الدفعة دخلوا للبلاد عن طريق اليمن والأردن وحصل بعض منهم على الجنسية السعودية.
أما الدفعة الثالثة فدخل غالبية افرادها إلى المملكة بتأشيرات حج أو عمرة عن طريق بنغلاديش وباكستان مابين عامي 1383 و 1392هـ وبعض ابنائهم حصلوا على الجنسية السعودية. وبعد مذبحة ناجامين التي أبيدت خلالها قرى للبرماويين المسلمين في بلادهم تمت هجرة جماعية لعدد كبير منهم للمملكة ما بين 1387 و 1391هـ
موضوع: قصة الشعب البرماوي 
الثلاثاء سبتمبر 30, 2008 5:54 am
